بٌسُمً آَلٌلُهً آِلٍرٌحُمًنَ آٍلِرٌحٌيُمً ~
هَا هُو رَمَضَان قَد بَدَأ وَبَدَأَت أَيَّام الْرَّحْمَة وَأَيَّام الْمَغْفِرَة وَأَيَّام الْعِتْق مِن الْنَّار ، وَهَذِه فُرْصَة لِلْعَبْد -قَرَيْبَا كَان أَو بَعِيْدَا- أَن يَقْتَرِب أَكْثَر مِن رَّبِّه وَأَن يَرْتَقِي فِي مَقَامَات الْعُبُوْدِيَّة وَالْقُرْب، أَو أَن يَتُوْب عَمَّا فَات مِن عِصْيَان لِرَبِّه أَو غَفْلَة وَنِسْيَان لَه وَلْفَرَائِضَه وَمَا يُرْضِيْه. وَتَبْدَأ الْأَيَّام الْأُوْلَى بِأَيَّام الْرَّحْمَة
الَّتِي تُنْزِل فِي رَمَضَان
لِتَغْمُر قُلُوْب وَحَيَاة الْصَّالِحِيْن الْمُقْبِلِيْن عَلَى رَبِّهِم
، فَمَا رَأْيُك أَن نَنْتَهِز هَذِه الْفُرْصَة لِتَنْزِل عَلَيْنَا أَكْبَر رَحْمَة
مُمْكِنَة بِأَن نَفْعَل شَيْئَا وَلَو فَعَلْنَاه لَرَحِمَنَا الْلَّه أَكْثَر وَأَكْثَر... فَمَا هُو ؟!
هُنَاك قَاعِدَة تَقُوْل إِنَّه مَن عَامَل الْنَّاس بِخُلُق حَسَن كَان لَه مِن الْلَّه
جَزَاء مِن جِنْس الْعَمَل فَيُعَامِلَّه الْلَّه بِنَفَس الْصُّفَّة الَّتِي عَامَل بِهَا الْنَّاس.
وَلَكِن شَتَّان بَيْن صِفَات الْبَشَر الْنَّاقِصَة وَصِفَات رَبَّنَا الْكَامِلَة ؛ لِذَلِك قَال الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم
: "إِنَّمَا يَرْحَم الْلَّه مَن عِبَادِه الْرُّحَمَاء"، إِذَن لِتَكُن هَذِه الْأَيَّام الْعَشَرَة الْأُوْلَى أَيَّام رَحْمَة نُبَالِغ فِيْهَا فِي رَحْمَة بَعْضُنَا بِكُل صُوَر الْرَّحْمَة الَّتِي سَنَتَكَلَّم عَنْهَا، وَلْنَبْدَأ الْكَلَام عَن الْرَّحْمَة لِنُشَجِّع أَنْفُسِنَا عَلَيْهَا بِأَن الْلَّه رَحْمَن رَحِيْم صِفَتِه الْرَّحْمَة وَهُو يُحِب الْرَّحْمَة.
فَقَد كَانَت رَحْمَتُه لَنَا فِي تَشْرِيْعُه لِدِيِنِنَا دُوْن أَن يَحْمِلُنَا فَوْق طَاقَتِنَا بَل كَان دَيِّنَا يَسِيْرَا سَهْلَا فَقَال الْلَّه تَعَالَى: "يُرِيْد الْلَّه بِكُم الْيُسْر وَلَا يُرِيْد بِكُم الْعُسْر". وَقَال: "مَا جَعَل عَلَيْكُم فِي الْدِّيْن مِن حَرَج".. و"حَرَج" تَعْنِي مَشَقَّة.
وَيَظْهَر ذَلِك فِي أَن الْصَّلَوَات خَمْس فَقَط طَوَال الْيَوْم، كُل صَلَاة تَأْخُذ 10 دَقَائِق فَقَط، بَيْنَهَا سَاعَات، ثُم إِن الْمَرِيْض يَسْتَطِيْع أَن يُصَلِّي جَالِسَا أَو عَلَى جَنْبِه لَو زَاد
مَرَضُه. وَالْزَّكَاة 2.5% فَقَط مِن مَالِك إِن كَان أَصْلَا مَعَك
مَا يَكْفِي لِأَن تُزَكِّي. وَالصِّيَام 30 يَوْمَا فَقَط مَن 365 يَوْما فِي الْسَّنَة، وَالْمُسَافِر يُفْطِر وَالْمَرِيْض يُفْطِر أَيْضا. وَالْحَج مَرَّة وَاحِدَة لَو أَصْلَا تَسْتَطِيْع،
أَمَّا إِذَا لَم تَسْتَطِع فَمَا عَلَيْك حَج وَلَا تُلْام عَلَى ذَلِك.
انْظُر لِرَحْمَتِه
بِتَشْرِيْعِه لِدِيِنِنَا حِيْن جَعَل كُل فَرَض عَلَى قَدْر الاسْتِطَاعَة، ثُم اقْرَأ مَعِي هَذَا الْحَدِيْث
الَّذِي يُطَمْئِن كُل مُسْلِم. قَال الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم: "لَمَّا خَلَق الْلَّه الْخَلْق كَتَب كِتَابَا فَهُو عِنْدَه فَوْق
الْعَرْش إِن رَحْمَتِي تَغْلِب غَضَبِي". بِمَا يَعْنِي أَن الْإِنْسَان إِذَا عَصَى الْلَّه قِبَل أَن يَغْضَب عَلَيْه الْمَلِك سُبْحَانَه فَإِن الْرَّحْمَة تَسْبِق غَضِب الْلَّه فَيَرْحَمَه قَبْل أَن يَغْضَب عَلَيْه.
وَأَيْضَا عِنْدَمَا أَكَل سَيِّدِنَا "آَدَم" مِن الْشَّجَرَة وَخَالَف أَمْر الْلَّه مَا كَان يَعْرِف كَيْف يَعْتَذِر لِلَّه.. لِأَنَّه لَم يَسْبِقْه أَحَد فِي مُخَالَفَة الْلَّه، فَعَلَّمَه الْلَّه.. يَا "آَدَم" قُل هَذِه الْكَلِمَات لَأَتُوب عَلَيْك وَأَرْحَمَك: "فَتَلَقَّى آَدَم مِن رَبِّه كَلِمَات فَتَاب عَلَيْه إِنَّه هُو الْتَّوَّاب الْرَّحِيْم".
وَانْظُر لَرَحْمَة الْلَّه بِهَذِه الْمَرْأَة الَّتِي هِي فِي أَعْيُن كَثِيْر مِن الْنَّاس لَا تَسْتَحِق الْرَّحْمَة لَكِن الْلَّه أَرْحَم
الْرَّاحِمِيْن، فِي حَدِيْث الْمَرْأَة الْبَغِي "الْزَّانِيَة" حَيْث كَانَت كُل يَوْم تَخْرُج مِن بَيْتِهَا لِتَفْعَل هَذِه
الْفَاحِشَة مَرَّات وَمَرَّات. فَخَرَجَت مَرَّة فَمَرَّت بِبِئْر لِتَشْرَب مِنْهَا فَوَجَدْت كَلْبَا يَلْحَس الْتُّرَاب فَنَزَعَت حِذَاءَهَا وَنَزَلَت الْبِئْر وَمَلَأْتُه لِيَشْرَب الْكَلَب "فَشَكَر الْلَّه لَهَا فَغَفَر لَهَا".
يَاه... مَا أَرْحَمَك يَارَب تَغْفِر لَزَّانِيَة لِأَنَّهَا سَقَت كَلْبَا! نَعَم لِأَن الْلَّه
رَأَى فِي قَلْبِهَا رَحْمَة وَلَو بِكَلْب فَرَحِمَهَا. وَلِأَن الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم قَال: "إِنَّمَا يَرْحَم الْلَّه مَن عِبَادِه الْرُّحَمَاء"... رَوَاه الْبُخَارِي وَمُسْلِم
وَلَمَّا كَان الْنَّبِي يَجْلِس وَبِجِوَارِه أَعْرَابِي فَدَخَل أَحَد أَبْنَاء الْنَّبِي أَو أَحْفَادِه فَحَمَلَه الْنَّبِي وَقَبَّلَه، فَقَال الْأَعْرَابِي أَتُقَبِّلُوْن الْصِّبْيَان؟ إِنَّا لَا نُقَبِّلُهُم، فَغَضِب الْنَّبِي وَقَال: "وَمَا أَفْعَل لَك إْن كَان الْلَّه نَزَع مِن قَلْبِك الْرَّحْمَة". وَفِي الْحَدِيْث الْآَخَر: "لَيْس مِنَّا مَن لَم يَرْحَم صَغِيْرَنَا وَيَعْرِف شَرَف كَبِيْرِنَا".
وَرُوِي فِي السِّيْرَة أَن الْصَّحَابَة نَزَلُوْا يَوْمَا لِيَسْتَرِيْحُوْا فِي مَكَان فَجَاء طَائِر مَع ابْنِه الْصَّغِيْر قَرِيْبَا مِن الْصَّحَابَة، فَجَرَى الْصَّحَابَة لِيُمْسِكُوْا بِهِمَا فَطَارَت الْأُم وَلَم يَسْتَطِع الْابْن أَن يَطِيْر فَأَمْسَكَه الْصَّحَابَة فَأَخَذ الْطَّائِر الْكَبِيْر يَحُوْم حَوْل الْمُعَسْكَر فَرَآَه الْنَّبِي فَقَال: "مِن أَفْجَع هَذِه بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوَا عَلَيْهَا وَلَدُهَا".. و"أَفْجَع" تَعْنِي أَحْزَن.
وَرَآَهُم قَد أَحْرَقُوُا جُحْر نَمْل لِيَنَامُوْا مَكَانَه فَقَال مَن فَعَل هَذَا؟، قَالُوْا نَحْن، فَقَال لَهُم: "إِنَّه لَا يَنْبَغِي أَن يُعَذِّب بِالْنَّار إِلَا رَب الْنَّار".
انْظُر لَرَحْمَة النَّبِي عَلَيْه الْصَّلاة وَالْسَّلام بِالْطُّيُوْر وَالْحَشَرَات.
كُل هَذَا لِيُعَلِّمَنَا الْرَّحْمَة بِكُل مَا حَوْلَنَا مِن بَشَر وَحَيَوَان أَو حَتَّى الْجَمَاد.
لِأَنَّه يَوْم كَان يَخْطُب وَكَان يُسْنِد يَدَه عَلَى جِذْع شَجَرَة
فِي الْمَسْجِد الْنَّبَوِي قَبْل أَن يَعْمَلُوَا لَه مِنْبَرا، فَلَمَّا صَنَعُوَا لَه مِنْبَرِا تَرَك الْنَّبِي الْجَذَع وَجَعَل يَخْطُب عَلَى الْمِنْبَر فَسَمِع الْصَّحَابَة فِي الْمَسْجِد بُكَاء كَبُكَاء الْصَّبِي لَا يَدْرُوْن مِمَّن يُصْدِر حَتَّى اقْتَرَبُوا مِن الْجِذْع فَإِذَا هُو الْجَذَع الَّذِي يَبْكِي، فَنَزَل الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم فَاحْتَضَنَه
وَبَشِّرْه بِمُرَافَقَتِه فِي الْجَنَّة، فَسَكَن الْجَذَع.
لِذَلِك وَصَّانَا رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم بِهَذِه الْرَّحْمَة فَقَال: "تَرَى الْمُؤْمِنِيْن فِي تَوَادِّهِم وَتَرَاحُمِهِم وَتَعَاطُفِهِم كَمَثَل الْجَسَد الْوَاحِد إِذَا اشْتَكَى مِنْه عُضْو تَدَاعَى لَه
سَائِر الْأَعْضَاء بِالْحُمَّى وَالْسَّهَر".. حَتَّى لَمَّا آَذَاه الْكُفَّار قِيَل لَه يَا رَسُوْل الْلَّه "أَدَع عَلَيْهِم" فَقَال الْرَّسُوْل الْرَّحِيْم: "إِنِّي لَم أُبْعَث لَعَّانَا إِنَّمَا بُعِثْت رَحْمَة". وَقَال لَهُم: "مَن لَا يَرْحَم لَا يُرْحَم".
وَلَمَّا مَات ابْن الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم "إِبْرَاهِيْم"
رُفِع لِلْرَّسُول وَهُو مَيِّت فَأَخَذَه الْنَّبِي فَقَبَّلَه وَشَمَّه ثُم بَكَى فَتَعَجَّب
"عَبْد الْرَّحْمَن بْن عَوْف" مِن بُكَاء الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم وَقَال يَا رَسُوْل الْلَّه "أَتَبْكِي؟، فَقَال: "يَا عَبْد الْرَّحْمَن إِنَّهَا رَحْمَة وَإِنَّمَا يَرْحَم الْلَّه مَن عِبَادِه الْرُّحَمَاء"، يَعْنِي أَنَّا لَا أَبْكِي اعْتِرَاضَا عَلَى قَدْر الْلَّه لَكِنِّي بَشِّر أَحْزَن كَمَا يَحْزَنُوْن وَيَرِق قَلْبِي كَسَائِر الْبَشَر، ثُم قَال الْكَلِمَة الْشَّهِيْرَة: "إِن الْعَيْن لَتَدْمَع وَإِن الَقْلَب لَيَحْزَن، وَلَا نَقُوُل مَا يُغْضِب الْرَّب، وَإِنَّا لَفِرَاقِك يَا إِبْرَاهِيْم لَّمَحْزُوْنُوْن".
لِذَلِك لنَّوص بَعْضَا كُلُّنَا بِالْرَّحْمَة. فَإِذَا
كَان الْلَّه غُفِر لِلْمَرْأَة الْبَغْي لِأَنَّهَا رَحْمَت كَلْبَا فَسَقَتْه شَرْبَة مَاء!! فَكَيْف تَكُوْن رَحْمَة
الْلَّه بِالْابْن الْبَار بِأُمِّه الْطَّائِع لَهَا؟! أَو رَحْمَة الْزَّوْج بِزَوْجَتِه الْطَّيِّبَة
وَصَبْرِه عَلَيْهَا وَرَحِمَتِهَا هِي بِه وتوَدِّدَهَا لَه؟! أَو رَحْمَة الْكَبِيْر بِالْصَّغِيْر
امْتِثَالَا لِلْحَدِيْث: "لَيْس مِنَّا مَن لَم يَرْحَم ضَعِيْفَنَا وَيَعْرِف شَرَف كَبِيْرِنَا"؟!
وَأَيْضَا لنْرْحَم الْجَمَاد وَنَتَعَامَل مَعَه بِرَحْمَة سَوَاء كَانَت الثِّيَاب أَو حَتَّى الْكُرْسِي
الَّذِي تَجْلِس عَلَيْه عَامِلُه بِرِفْق لِأَن الْنَّبِي عَامَل الْجَمَاد بِرَحْمَة وَرِفْق. وَذَلِك حَتَّى تُبَلِّغَنَا رَحِ
مَه الْلَّه عَز وَجَل وَيَرْحَمُنَا فِي أَيَّام الْرَّحْمَة لِأَنَّنَا فِي أَشَد الْحَاجَة لَرَحْمَة الْلَّه بِنَا لِيَفُك كُرُوْبَنَا وَيَغْفِر ذُنُوْبَنَا وَيُيَسِّر أُمُوْرِنَا وَيَهْدِي قُلُوْبَنَا بِهَذِه الْرَّحْمَة.
وَكَان "عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيْز" يَقُوْل: "الْلَّهُم إِن
لَم أَكُن أَهْلَا لَأَن أَبْلُغ رَحْمَتَك فَإِن رَحْمَتَك أَهْل أَن تَبْلُغَنِي فَإِن رَحْمَتِك وَسِعَت كُل شَيْء وَأَنَا شَيْء فَلْتَسَعْنِي رَحْمَتُك يَا أَرْحَم الْرَّاحِمِيْن"
كَيْف يَرْحَمُنَا الْلَّه..
1- ارْحَمُوْا مَن فِي الْأَرْض يَ
رْحَمْكُم مَن فِي الْسَّمَاء.. "وَالْرُّحَمَاء يَرْحَمُهُم الْلَّه".
2- تُلْمَس مَوَاطِن الْرَّحْمَة وَاسْأَل الْلَّه فِيْهَا
أَن يَرْحَمُك، قَال الْلَّه تَعَالَى فِي سُوْرَة الزُّمَر: "أَمَّن هُو قَانِت آَنَاء الْلَّيْل سَاجِدَا وَقَائِمَا يَحْذَر الْآَخِرَة وَيَرْجُو رَحْمَة رَبِّه"..
3- الْسَّمَاحَة وَالْرَّحْمَة
فِي مَوَاطِن تَعَوَّد الْنَّاس فِيْهَا عَلَى الْشِّدَّة قَال الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم: "رَحِم الْلَه عَبَدَا سَمِحَا إِذَا بَاع، سَمِحَا إِذَا اشْتَرَى، سَمِحَا إِذَا اقْتَضَى".[b]