تربية محبة الله عز وجل في القلب ...منبع التضحية والجهاد ...وأساس كل دعوة متأججة ، ومحبة الله تعالى لا تأتي من مجرد الإيمان العقلي به ، فالأمور العقلانية وحدها ما كانت يومًا ما لتؤثر في العواطف والقلوب ، ولو كانت كذلك لكان المستشرقون في مقدمة المؤمنين بالله ورسوله ، ولكانت أفئدتهم من أشد الأفئدة حبًا لله ورسوله ... وإنما الوسيلة إلى محبة الله تعالى – بعد الإيمان به - كثرة التفكر في آلائه ونعَمه ، والتأمل في مدى جلاله وعظمته ، ثم الإكثار من ذكره سبحانه وتعالى بالقلب واللسان ، وإنما يتم ذلك بالعُزلة والخلوة ، والابتعاد عن شواغل الحياة وضوضائها في فترات متقطعة متكررة من الزمن ، فإذا قام المسلم بذلك نبتت له من ذلك في قلبه محبة إلهية عارمة ، تجعله يستصغر كل عظيم ، ويحتقر كل مغرية من المغريات ، ويستهين بكل إيذاء وعذاب ، وذلك لأن الدوافع الوجدانية في القلب ، من خوف ورجاء ومحبة ، تفعل ما لا يفعله الفهم العقلاني المجرد .
في تعليقه على تضحية الصحابة – فداءًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم – في موقعة أحد ، يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه فقه السيرة إنه الإيمان بالله ورسوله أولا ، ثم محبة رسوله صلى الله عليه وسلم ثانيًا ، فهما معًا سبب هذه التضحية الرائعة العجيبة ، والمسلم يحتاج إليهما معًا ، ولا يكفيه أن يدّعي الإيمان بما ينبغي الإيمان به من أمور العقيدة ... حتى يمتلىء قلبه بمحبة الله ورسوله أيضًا ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمِنُ أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده والناس أجمعين ) متفق عليه .
فإذا لم يُشغل القلب بمحبة الله ورسوله والصالحين من عباده ، فسيمتلىء – ولا بد – بمحبة الشهوات والأهواء والمحرمات ، وحينئذٍ هيهات أن يصبح الاعتقاد وحده حاملا لصاحبه على أي عمل من أعمال التضحية والفداء .
يقول جان جاك روسّو في كتابه إيميل : كم قيل وأُعيد القول عن الرغبة في إقامة الفضيلة على العقل وحده ... وياله من أساس متين !!! ... أي أساس هذا ؟! ... إن الفضيلة كما يقولون هي النظام ، ولكن هل يستطيع الإيمان بالنظام أن يتغلب على مسرّتي الخاصة ؟ إن هذا المبدأ المزعوم ليس إلا لعبًا بالألفاظ ، فالرزيلة هي حب النظام أيضا ولكن بشكل مختلف .
ويقول الشاطبي في الموافقات .. الجزء الثاني ص 141 : ( الخوف سوْط سائق ، والرجاء حادٍ قائد ، والمحبة تيّار حامل ، فالخائف يعمل مع وجود المشقة ، غير أن الخوف مما هو أشد وأشق يحمل على الصبر على ما هو أهون وإن كان شاقّا .. والراجي يعمل مع وجود المشقة أيضًا ، غير أن الرجاء في تمام الراحة يحمل على الصبر على تمام التعب ، والمحب يعمل ببذل المجهود شوقا إلى المحبوب ، فيسهل عليه الصعب ، وتفنى القوى ولا يرى أنه أوفى بعهد المحبة ، ولا قام بشكر النعمة )
يقول البوطي في كتابه سالف الذكر واتخاذ الوسائل المختلفة لتحقيق هذه الدوافع الوجدانية في القلب ، مما أجمع على ضرورته المسلمون ، وهو ما يسمى بالتصوف عند جمهور العلماء والباحثين ، أو بالإحسان عندهم ، أو بعلم السلوك عند بعض آخر ) .
وتكشف لنا الصورة التي استقبلت بها المدينة المنورة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مدى المحبة الشديدة التي كانت تفيض بها أفئدة الأنصار من أهل المدينة رجالا ونساءًا وأطفالا ، لقد كانوا يخرجون كل يوم إلى ظاهر المدينة ينتظرون تحت لفح الشمس وصول رسول الله صلى الله علية وسلم ، حتى إذا هب النهار ليُدبر ، عادوا أدراجهم ليعودوا إلى الانتظار صباح اليوم التالي ، فلما طلع عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم جاشت العواطف في صدورهم ، وانطلقت ألسنتهم تهتف بالقصائد والأهاذيج فرحًا برؤيته صلى الله عليه وسلم ، ولقد بادلهم نفس المحبة ، حتى أنه جعل ينظر إلى ولائد بني النجار من حوله وهن ينشدْنَ ويتغنين بمقدمه قائلا : ( أتحبِبْنني ؟ والله إن قلبي ليُحبكن )
في حديث متفق عليه عند البخاري ومسلم في شأن صلح الحديبية ، وفي هذا الحديث أن عُروة بن مسعود عرض على المشركين أن يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان ناويًا دخول مكة وهو على مشارفها ، فيكلمه في تفصيل ما جاءهم به بديل بن ورقاء ، فقالوا له : دونك فاذهب . : قال : ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي بعينيه ، قال : فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمر ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده ، وما يُحِدّون النظر إليه ..تعظيمًا له ، فرجع عروة إلى أصحابه فقال : أيُّ قوم !! والله لقد وفدتُ على الملوك ، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله إن رأيتُ ( أي ما رأيت ) ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمدِ محمدًا ( صلى الله عليه وسلم )
إنها لصورة بارزة حية ، أوضحها عروة بن مسعود الثقفي لمدى محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له ، وإن فيها دلالات هامة يجب أن يقف عليها كل مسلم ، إنها تدل أولا على أنه لا إيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم بدون محبة له ، وليست المحبة له معنًى عقلانيا مجردا ، وإنما هي الأثر الذي يستحوذ على القلب فيطبع صاحبه بمثل الطابع الذي وصف به عروة بن مسعود أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
سأل رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم : متى الساعة ؟ .فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما أعددتَ لها ؟ فقال الرجل : والله ما أعددتُ لها كبير عمل ، إلا أني أحب الله ورسوله .فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أقعد ، أنت مع مَن أحببت .
لقد أردتُ أن أصدر هذا الجزء بكلمات لأحد العلماء البارزين في هذا العصر ، لأنها تصحح مفهوما خاطئا عن الحب ساد في هذا العصر، هذا المفهوم عبّر عنه الدكتور البوطي بقوله :
[ ولقد ضل قومٌ حسبوا أن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لها معنًى إلا الاتباع والاقتداء ، وفاتهم أن الاقتداء لا يأتي إلا بوازع ودافع ، ولن تجد وازعًا يحمل على الاتباع إلا المحبة القلبية التي تهز المشاعر ، وتستبد بالعواطف ، ولذلك جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مقياس الإيمان بالله امتلاء القلب بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بحيث تغدوا متغلبة على محبة الولد والوالد والناس أجمعين ، وهذا يدل على أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم من جنس محبة الوالد والولد ، أي أن مصدر كل منهما العاطفة والقلب ، وإلا لم تصح المقارنة والتفضيل بينهما
في تعليقه على تضحية الصحابة – فداءًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم – في موقعة أحد ، يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه فقه السيرة إنه الإيمان بالله ورسوله أولا ، ثم محبة رسوله صلى الله عليه وسلم ثانيًا ، فهما معًا سبب هذه التضحية الرائعة العجيبة ، والمسلم يحتاج إليهما معًا ، ولا يكفيه أن يدّعي الإيمان بما ينبغي الإيمان به من أمور العقيدة ... حتى يمتلىء قلبه بمحبة الله ورسوله أيضًا ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمِنُ أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده والناس أجمعين ) متفق عليه .
فإذا لم يُشغل القلب بمحبة الله ورسوله والصالحين من عباده ، فسيمتلىء – ولا بد – بمحبة الشهوات والأهواء والمحرمات ، وحينئذٍ هيهات أن يصبح الاعتقاد وحده حاملا لصاحبه على أي عمل من أعمال التضحية والفداء .
يقول جان جاك روسّو في كتابه إيميل : كم قيل وأُعيد القول عن الرغبة في إقامة الفضيلة على العقل وحده ... وياله من أساس متين !!! ... أي أساس هذا ؟! ... إن الفضيلة كما يقولون هي النظام ، ولكن هل يستطيع الإيمان بالنظام أن يتغلب على مسرّتي الخاصة ؟ إن هذا المبدأ المزعوم ليس إلا لعبًا بالألفاظ ، فالرزيلة هي حب النظام أيضا ولكن بشكل مختلف .
ويقول الشاطبي في الموافقات .. الجزء الثاني ص 141 : ( الخوف سوْط سائق ، والرجاء حادٍ قائد ، والمحبة تيّار حامل ، فالخائف يعمل مع وجود المشقة ، غير أن الخوف مما هو أشد وأشق يحمل على الصبر على ما هو أهون وإن كان شاقّا .. والراجي يعمل مع وجود المشقة أيضًا ، غير أن الرجاء في تمام الراحة يحمل على الصبر على تمام التعب ، والمحب يعمل ببذل المجهود شوقا إلى المحبوب ، فيسهل عليه الصعب ، وتفنى القوى ولا يرى أنه أوفى بعهد المحبة ، ولا قام بشكر النعمة )
يقول البوطي في كتابه سالف الذكر واتخاذ الوسائل المختلفة لتحقيق هذه الدوافع الوجدانية في القلب ، مما أجمع على ضرورته المسلمون ، وهو ما يسمى بالتصوف عند جمهور العلماء والباحثين ، أو بالإحسان عندهم ، أو بعلم السلوك عند بعض آخر ) .
وتكشف لنا الصورة التي استقبلت بها المدينة المنورة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مدى المحبة الشديدة التي كانت تفيض بها أفئدة الأنصار من أهل المدينة رجالا ونساءًا وأطفالا ، لقد كانوا يخرجون كل يوم إلى ظاهر المدينة ينتظرون تحت لفح الشمس وصول رسول الله صلى الله علية وسلم ، حتى إذا هب النهار ليُدبر ، عادوا أدراجهم ليعودوا إلى الانتظار صباح اليوم التالي ، فلما طلع عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم جاشت العواطف في صدورهم ، وانطلقت ألسنتهم تهتف بالقصائد والأهاذيج فرحًا برؤيته صلى الله عليه وسلم ، ولقد بادلهم نفس المحبة ، حتى أنه جعل ينظر إلى ولائد بني النجار من حوله وهن ينشدْنَ ويتغنين بمقدمه قائلا : ( أتحبِبْنني ؟ والله إن قلبي ليُحبكن )
في حديث متفق عليه عند البخاري ومسلم في شأن صلح الحديبية ، وفي هذا الحديث أن عُروة بن مسعود عرض على المشركين أن يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان ناويًا دخول مكة وهو على مشارفها ، فيكلمه في تفصيل ما جاءهم به بديل بن ورقاء ، فقالوا له : دونك فاذهب . : قال : ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي بعينيه ، قال : فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمر ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده ، وما يُحِدّون النظر إليه ..تعظيمًا له ، فرجع عروة إلى أصحابه فقال : أيُّ قوم !! والله لقد وفدتُ على الملوك ، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله إن رأيتُ ( أي ما رأيت ) ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمدِ محمدًا ( صلى الله عليه وسلم )
إنها لصورة بارزة حية ، أوضحها عروة بن مسعود الثقفي لمدى محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له ، وإن فيها دلالات هامة يجب أن يقف عليها كل مسلم ، إنها تدل أولا على أنه لا إيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم بدون محبة له ، وليست المحبة له معنًى عقلانيا مجردا ، وإنما هي الأثر الذي يستحوذ على القلب فيطبع صاحبه بمثل الطابع الذي وصف به عروة بن مسعود أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
سأل رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم : متى الساعة ؟ .فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما أعددتَ لها ؟ فقال الرجل : والله ما أعددتُ لها كبير عمل ، إلا أني أحب الله ورسوله .فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أقعد ، أنت مع مَن أحببت .
لقد أردتُ أن أصدر هذا الجزء بكلمات لأحد العلماء البارزين في هذا العصر ، لأنها تصحح مفهوما خاطئا عن الحب ساد في هذا العصر، هذا المفهوم عبّر عنه الدكتور البوطي بقوله :
[ ولقد ضل قومٌ حسبوا أن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لها معنًى إلا الاتباع والاقتداء ، وفاتهم أن الاقتداء لا يأتي إلا بوازع ودافع ، ولن تجد وازعًا يحمل على الاتباع إلا المحبة القلبية التي تهز المشاعر ، وتستبد بالعواطف ، ولذلك جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مقياس الإيمان بالله امتلاء القلب بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بحيث تغدوا متغلبة على محبة الولد والوالد والناس أجمعين ، وهذا يدل على أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم من جنس محبة الوالد والولد ، أي أن مصدر كل منهما العاطفة والقلب ، وإلا لم تصح المقارنة والتفضيل بينهما