الشريف الحامدابي الأربعاء أغسطس 27, 2008 12:03 am
هو اهل لهذا التكريم وقد ذكرتني هذه البشارة بكرامة ربانية حظى بها جده الإمام زين العابدين بن الحسين بن على سلام الله عليه عندما كانت دولة الامويين في عز قوتها حج هشام بن عبد الملك أيام أبيه عبد الملك بن مروان فطاف بالكعبة المشرفة ، فلما أراد أن يستلم الحجر الأسود لم يتمكن بسبب الزحام ، و كان أهل الشام حوله ، و بينما هو كذلك إذ أقبل الامام علي بن الحسين ( عليه السَّلام ) ، فلما دنا من الحجر ليستلم تنحى عنه الناس إجلالاً له و هيبةً و احتراماً حتى استلم الحجر بسهولة و يسر ، و هشام و أصحابه ينظرون و الغيظ و الحسد قد أخذ منهم مأخذاً عظيماً .
فقال رجل من الشاميين لهشام : من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة ؟
فقال هشام ـ كذباً ـ : لا أعرفه .
فسمع الفرزدق ذلك ـ و كان حاضراً ـ فاندفع و قال : أنا أعرفه ، ثم أنشد قصيدته الرائعة :
القصيدة الفرزدقيّة العلويّة:
هذَا ابْنُ خَيْرِ عِبادِاللَّهِ كُلِّهِمُ * هذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطّاهِرُ الْعَلَمُ
هذَا ابْنُ فاطِمَةَ إِنْ كُنْتَ جاهِلَهُ * بِجَدِّهِ أنْبِياءُاللَّهِ قَدْ خُتِموا
هذَا الَّذي تَعْرِفُ الْبَطْحاءُ وطْأَتَهُ * و الْبَيْتُ يَعْرِفُهُ و الْحِلُّ و الْحَرَمُ
مَنْ جَدُّهُ دانَ فَضْلُ الْأَنْبِياءِ لَهُ * و فَضْلُ أُمَّتِهِ دانَتْ لَهُ الْأُمَمُ
وَ لَيْسَ قَوْلُكَ مَنْ هذا بِضائِرِهِ * ألْعُرْبُ تَعْرِفُ مَنْ أنْكَرْتَ و الْعَجَمُ
أللَّهُ شَرَّفَهُ قِدْماً و فَضَّلَهُ * جَرى بِذاكَ لَهُ فِي لَوْحِهِ القَلَمُ
مُشْتَقَّةٌ مِنْ رَسولِ اللَّهِ نَبْعَتُهُ * طابَتْ عَناصِرُهُ و الخِيمُ و الشِّيَمُ
يَنْشَقُّ ثَوْبُ الدُّجى عَنْ نورِ غُرَّتِهِ * كاَلشَّمْسِ يَنْجابُ عَنْ إِشْراقِهَا الْقَتَمُ
إِذا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ قالَ قائِلُها * إِلى مَكارِمِ هذا يَنْتَهي الْكَرَمُ
يُغْضِي حَياءً و يُغْضى مِنْ مَهابَتِهِ * فَما يُكَلَّمُ إِلاّ حِينَ يَبْتَسِمُ
يَكادُ يُمْسِكُهُ عِرفانَ راحَتِهِ * رُكْنُ الْحَطِيمِ إِذا ما جاءَ يَسْتَلِمُ
كِلْتا يَدَيْهِ غِياثٌ عَمَّ نَفْعُهُما * يَسْتَوْكِفانِ و لا يَعْروُهُمَا الْعَدَمُ
سَهْلُ الْخَلِيقَةِ لا تُخْشى بَوادِرُهُ * يُزِينُهُ إِثْنانِ حُسْنُ الْخُلْقِ و الْكَرَمُ
حَمّالُ أَثْقالِ أَقْوامٍ إِذا فُدِحوا * حُلْوُ الشَّمائلِ تَحْلوُ عِنْدَهُ نَعَمُ
لا يُخْلِفُ الْوَعْدَ مَيْمُونٌ نَقيبَتُهُ * رَحْبُ الْفِناءِ أَريبٌ حِينَ يَعْتَزِمُ
عَمَّ الْبَرِيَّةَ بِالْإِحْسانِ فَانْقَشَعَتْ * عَنْهاَ الغَيابَةُ و الْإِمْلاقُ و الْعَدَمُ
يُنْمى إِلى ذُرْوَةِ الْعِزِّ الَّتي قَصُرَتْ * عَنْ نَّيْلِها عَرَبُ الْإِسْلامِ و الْعَجَمُ
مِنْ مَعْشَرٍ حُبُّهُمْ دينٌ و بُغْضُهُمُ * كُفْرٌ و قُرْبُهُمُ مَنْجى و مُعْتَصَمُ
إِنْ عُدَّ أَهْلُ التُّقى كانوا أَئِمَّتَهُمْ * أَوْ قِيلَ مَنْ خَيْرُ أَهْلِ الْأرْضِ قِيلَ هُمُ
لا يَسْتَطِيعُ جَوادٌ بُعْدَ غايَتِهِمْ * و لايُدانِيِهِمُ قَوْمٌ و إِنْ كَرُموا
هُمُ الْغُيوثُ إِذا ما أَزْمَةٌ أَزَمَتْ * و الْأُسْدُ أُسْدُ الشَّرى و الْبَأْسُ مُحْتَدِمُ
لا يَقْبِضُ الْعُسْرُ بَسْطاً مِنْ أَكُفِّهِمُ * سِيِّانَ ذلكَ إِنْ أَثْرَوْا و إِنْ عَدِموا
يُسْتَدْفَعُ السُّوءُ و الْبَلْوى بِحُبِّهِمُ * و يُسْتَرَبُّ بِهِ الْإِحْسانُ و النِّعَمُ
مُقَدَّمٌ بَعْدَ ذِكْرِ اللَّهِ ذِكْرُهُمُ * في كُلِّ بَدْءٍ و مَخْتومٍ بِهِ الْكَلِمُ
يَأْبى لَهُمْ أَنْ يَحِلَّ الذَمُّ ساحَتَهُمْ * خِيمٌ كرِيمٌ و أَيْدٍ بِالنَّدى هُضُمُ
أَيُّ الْخَلائِقِ لَيْسَتْ في رِقابِهِمُ * لِأَوَّلِيَّةِ هذا أَوْلَهُ نَعَمُ
مَنْ يَعْرِفِ اللَّهَ يَعْرِفْ أَوَّلِيَّةَ ذا * فَالدِّينُ مِنْ بَيْتِ هذا نالَهُ الْأُمَمُثم قال الفرزدق هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السَّلام ) .
فثار هشام و أمر باعتقال الفرزدق ، فاعتقل و اُودع في سجون عسفان ، و بلغ ذلك الإمام زين العابدين ( عليه السَّلام ) فبعث إليه بإثني عشر ألف درهم ، فردَّها الفرزدق ، و قال : إني لم أقل ما قلت إلا غضباً لله و لرسوله ، و لا آخذ على طاعة الله أجراً ، فأعادها الإمام ( عليه السَّلام ) و أرسل إليه : نحن أهل بيت لا يعود إلينا ما اعطينا ، فقبلها الفرزدق .