مشكاة الأنوار

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى رابطة شباب الطريقة الختمية بكسلا


    العز عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام 3

    ادم يحي
    ادم يحي


    عدد المساهمات : 66
    تاريخ التسجيل : 30/03/2008
    العمر : 43
    الموقع : كسلا حي السوريبة

    العز عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام    3 Empty العز عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام 3

    مُساهمة  ادم يحي الخميس سبتمبر 25, 2008 9:52 pm

    ودرس خلافات المتقدمين حول الفلسفة، وكان الإمام الغزالي قد هاجم الفلسفة من قبل، ولكن هذا لم يصرف كل العلماء عن دراسة الفلسفة، فهاهو ذا السهروردي المفتول الذي فتن عز الدين بآرائه قد خلف ميراثا سخيا من الفكر وفق فيه بين الفلسفة والدين.
    واستوعب العز كل ما تركه السلف في علم الكلام. العلم الذي يتكلم عن الله وصفاته وأسمائه. ومن السلف من هاجم هذا العلم ونبذه واعتبره بدعة فاسدة، ومنهم من عالجه وتعمق فيه وأضاف إليه، واعتبره علم أصول الدين.
    والخلاف بين العلماء حول هذا الأمر قديم يرجع إلى نهاية القرن الأول وأوائل القرن الثاني للهجرة، حين ظهر المعتزلة وأخضعوا كل شيء للعقل، وتحدثوا في القضاء والقدر والجبر والاختيار وصفات الله تعالى، واعتمدوا في كل آرائهم على الأدلة العقلية. ونبذهم أهل السنة ورفضوا واعتمدوا على ما تركه السلف منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعصر الصحابة ومن بعدهم عصر التابعين. وذهب أهل السنة إلى رفض الكلام في كل هذه الأمور، لأن أسلافهم لم يتكلموا فيها بل إن منهم من نهى عن الاقتراب منها.
    واتهم أهل السنة مفكري المعتزلة بالزيغ والضلال، واتهمهم المعتزلة بالجمود وانعكس هذا على قواعد استنباط الأحكام وأصول الفقه، فمن تأثروا بالنظر العقلي اعتمدوا على الرأي في الاستنباط، وتمسك آخرون بالنصوص، وحدها، ولم يعدلوا عنها إلى الرأي إن لم يجدوا الحكم في النصوص كما صنع أهل الرأي ودعاة أعمال العقل، بل آثروا الصمت. ومن أهل السنة من آخذ بظاهر النص وحده، ومنهم من تأول النص ليستنبط الحكم أن لم يسعفه الظاهر.
    وانتقلت كل هذه الأفكار بصراعاتها على أمواج الزمن من جيل إلى جيل. حتى أتيح لأهل السنة مفكر كان من قبل من كبار مفكري المعتزلة ثم هجرهم، مستخدما أدواتهم في التفكير والاستنباط، فاعتمد على البراهين العقلية في مناصرة آراء أهل السنة والنصوص.
    حدث هذا في القرن الرابع الهجري.
    وهذا الفقيه هو الأشعري الذي ألف الكتب على مذاهب أهل السنة ورد على المعتزلة في كل مقولات علم الكلام. "حتى دخلوا في أقماع السمسم".
    وكان المعتزلة قد ذهبوا إلى أن العقل هو أساس الحكم بالقبح والحسن، وتبين الحلال والحرام، وذهبوا في تفسير الآية الكريمة وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا. إلى أن الرسول ليس هو النبي الذي يرسله الله، ولكنه العقل.
    وأتهمهم أهل السنة بالكفر، ورفضوا أن يتكلموا في العقائد بالأدلة العقلية، وهاجموا المنطق والفلسفة، حتى جاء الأشعري، فاستعان بالمنطق والفلسفة في الكلام عن العقائد، ودافع عن السنة بأدلة المعتزلة. فلم يعتمد على النصوص وحدها في كلامه عن العقائد، وإنما أعمل العقل، ليناور المعتزلة بأسلحتهم.
    وقد أعجب العز بهذا كله، واعتنق عقيدة الأشعري، كما اعتنقها من قبل أكثر المستنرين من أهل السنة والرأي مهما تختلف مذاهبهم الفقهية. أعجب العز عز الدين بمحاولات المعتزلة والأشاعرة وتوفر على دراستها في مكتبة الجامع الأموي.
    ولقد أعجبته بصفة خاصة مناظرة بين الأشعري والجبائي أحد أئمة المعتزلة، "عن ثلاثة أخوة ماتوا: الأكبر منهم مؤمن بر تقي، والأوسط كافر فاسق شقي، والأصغر مات على الصغر لم يبلغ الحلم.
    فقال الجبائي: أما الزاهد ففي الدرجات، وأما الكافر ففي الدركات ـ بناء على أن ثواب المطيع وعقاب العاصي واجب على الله تعالى عند المعتزلة ـ وأما الصغير فمن أهل السلامة لا يثاب ولا يعاقب.
    فقال الأشعري: فإن طلب الصغير درجات أخيه الأكبر في الجنة؟
    الجبائي: يقول الله تعالى الدرجات ثمرة الطاعات.
    الأشعري: فإن قال الصغير ليس مني النقص والتقصير .. فإنك إن أبقيتني إلى أن أكبر لأطعتك ودخلت الجنة.
    الجبائي: يقول الباري تعالى قد كنت أعلم منك أنك لو بقيت لعصيت ودخلت في دركات الجحيم. فإن الأصلح لك أن تموت صغيرا.
    الأشعري: فإن قال العاصي المقيم في العذاب الأليم مناديا من بين دركات النار وأطباق الجحيم يا إله العالمين! يا أرحم الراحمين! لم راعيت مصلحة أخي دوني أنت تعلم أن الأصلح لي أن أموت صغيرا ولا أصير في السعير أسيرا؟ فماذا يقول الرب؟
    فبهت الجبائي في الحال وانقطع عن الجدال.
    وعن دور الأشعري في الفكر الديني.
    كتب المغفور له الإمام الشيخ مصطفى عبد الرازق: أخذت الفلسفة توجه أهل الفرق إلى الاعتماد على العقل. فلما أخذ الأشعري في مناضلة المبتدعة بالعقل حفاظا للسنة، جاء أنصار مذهبه من بعده يثبتون عقائدهم بالعقل تدعيما لها ومنعا لإثارة الشبهة حولها. ووضعوا الأدلة العقلية التي تتوقف عليها الأدلة والأنظار".
    وإذن فمذهب الأشعري مقرر لمذاهب السلف ولكنه يناضل عنها بالأدلة العقلية لا بالنصوص وحدها. وهو رأي وسط بين مذهب المعتزلة الذين نفوا التجسيم عن الله تعالى ومذهب غلاة الحنابلة الذين آمنوا بالتجسيم كما يدل ظاهر النص.
    ولقد شاعت عقيدة الأشعري فاجتمع عليها الشافعية والمالكية والحنفية وفضلا الحنابلة .. كما قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام فيما بعد. وكان صلاح الدين قد اعتنق المذهب الشافعي وعقيدة الأشعري فألزم بهما الناس.
    غير أن الذين جاءوا من بعده تفرقوا: فظل بعضهم شافعيا على رأي صلاح الدين، واعتنق بعضهم غير ذلك من المذاهب، وإن ظلوا جميعا على رأي الأشعري إلا قليلا!
    وكان الملك الكامل حاكم مصر وهو ابن العادل شقيق صلاح الدين أوسعهم أفقا وأشدهم احتفالا بالعلم والعلماء حتى لقد جلس وهو ملك مصر إلى الشيوخ ليتعلم منهم في الحلقات ثم تقدم لنيل إجازة علمية كما يتقدم غيره من الطلاب ونجح فيها! وتعود أن يعقد مجلسا للعلماء في مساء كل خميس، وفتح المدارس والمكاتب وأغدق على أهل الفقه والعلم .. وكف عن اضطهاد أصحاب المذاهب الأخرى كما كان يصنع عمه صلاح الدين. وعين قضاة من كل المذاهب بدلا من القاضي الشافعي الذي اكتفى به أبوه .. ولقد نافسه في تشجيع العلماء أخوه عيسى، فكافأ المؤلفين حتى وضعوا في عهد الملك الكامل كتابا من أضخم كتب الفقه الحنفي وهو كتاب (التذكرة).
    وقد أرسل العز بن عبد السلام إلى الملك الكامل وأخيه عيسى كتاب شكر على ما يصنعان للعلم والعلماء، فأرسلا إليه ردا جميلا. وبعث الملك الكامل إلى أخيه صاحب دمشق ـ الملك الأشرف ـ يستوصيه خيرا بالعالم الشاب عز الدين بن عبد السلام.
    وكان عز الدين قد جذب إليه عديدا من الطلاب أحبوا دروسه التي كان يرصعها بما يحفظ من طرائف الحكمة وروائع الشعر مما كان ييسر على الطلاب صعوبة الفقه.
    وقصده الناس يستفتونه فلم يبخل عليهم بالرأي، ولم يعد يتقيد بالمذهب الشافعي الذي كان يعتنقه من قبل، بل كان يبحث في كل المذاهب عن إجابات لم يرد إليه من أسئلة، فإن لم يجد حاول أن يجتهد رأيه.
    وكان شديد الحرج في فتياه. يفكر طويلا قبل الإجابة، ويظل يفكر بعدها وينقب حتى يطمئن أنه على الصواب. ولقد أصدر فتيا ذات مرة، ثم طفق يفكر بعدها فيما قال، وعاد إلى كتب السلف عسى أن يجد فيها ما يسانده، فاكتشف أنه أخطأ، ولم يكن يعرف صاحب المسألة الذي أستفتاه، فأطلق عددا من تلاميذه في الأسواق والطرقات والمساجد ينادون في الناس: "من صدرت له فتيا بالأمس من العز عز الدين بن عبد السلام فلا يعمل بها فهي خطأ، وليعد إلى الشيخ ليفتيه بالرأي من جديد بالصواب".
    ا

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 9:32 am