مشكاة الأنوار

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى رابطة شباب الطريقة الختمية بكسلا


    العز عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام 8

    ادم يحي
    ادم يحي


    عدد المساهمات : 66
    تاريخ التسجيل : 30/03/2008
    العمر : 43
    الموقع : كسلا حي السوريبة

    العز عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام     8 Empty العز عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام 8

    مُساهمة  ادم يحي الخميس سبتمبر 25, 2008 10:05 pm

    وقال الأشرف أنه يخشى من عناد عز الدين وشدته إذا هو تولى أمر القضاء وأصبحت أحكامه واجبة النفاذ!! .. فضحك الملك الكامل، وأمر أخاه ألا يثق بأحد من العلماء إلا هؤلاء الذين يأخذون الكتاب بقوة، الأشداء الأتقياء الورعين الذين لا يخافون في الله لومة لائم. لأن هؤلاء هم أعمدة الأمة ومنارات العدل، وهم أحرى بأن يجعلوا السلطان قويا وفاضلا ومحبوبا عند الرعية، وهم على أية حال خير من الفقهاء والعلماء الضعاف المستخزين المنافقين طلاب المنافع الذين يذهبون بجلال الملك ويزرون بهيبة الدين!!
    وروى الكامل لأخيه قصته مع قاض مصري ورع شديد في الحق. ذلك أن الملك الكامل وهو الملك المهاب الصالح، كان قد هفا قلبه إلى مغنية قاهرية بارعة الجمال ذات صوت لم يسمع أعذب منه اسمها عجيبة. وكانت عجيبة تذهب إلى الملك، فتغني له ولخاصته حتى قبيل الفجر، على قرع الدف، ورنة عود تتقن العزف عليه. فعرضت أمام القاضي دعوى كان أحد طرفيها رجلا من خاصة الملك يسمع معه إلى غناء عجيبة وجواريها. وأراد الملك أن يشهد في تلك القضية. فرفض وقال للكامل: "السلطان يأمر ولا يشهد." ولكن الملك الكامل لم يقتنع برأي القاضي وعاد يطلب منه أن يؤدي الشهادة، وكرر القاضي الاعتذار، وأدرك الكامل أن القاضي لا يقبل شهادته، فسأله: "أريد أن أشهد. أتقبلني أم لا!" فقال القاضي: لا. ما أقبلك. وعجيبة المغنية تطلع إليك كل ليلة، وتنزل ثاني يوم بكرة تتمايل سكرا على أيدي الجواري."
    فغضب الكامل وقال له: يا كنواج "وهي شتمة فارسية" فقال القاضي: "ما في الشريعة يا كنواج! أشهدوا على أني عزلت نفسي." ومضى ينشد في الناس:
    وليت القضاء وليت القضاء وقد ساقني للقضاء القضاء لم يك شيئا توليته
    وما كنت قبل تمنيته
    وفكر الملك فيما عسى أن يقول الناس عن سبب عزل القاضي. فأرسل إليه يترضاه، وعدل عن طلب الشهادة. ولم يعد يستقبل المغنية ولا يقيم مجالس طرب. وسار في رعيته منذ ذلك اليوم سيرة تقية فاضلة، وهكذا أصبح وعظة ورع قاض حازم عادل، فأصبح الملك باتعاظه مهابا محبوبا ..
    وروى الملك الكامل لأخيه الأصغر الملك الأشرف هذه الحكاية، وأقنعه أن وجود عالم فاضل عادل قوي إلى جوار الملك إنما هو أقوى للسلطان والرعية جميعا. ولكن السلطان الأشرف وعد بتعيين الشيخ عز الدين قاضيا للقضاة، ثم تراخى.
    وأراد الملك الكامل أن يؤكد لأخويه الأشرف والصالح إسماعيل، ما للشيخ العز من مكانة وتقدير. فدعاه في حضورهما وبالغ في حسن استقباله، وأجلسه إلى جواره وأخذ يستفتيه. وكلما أفتى الشيخ أبدى الملك إعجابه بالفتيا، وسأله الرضى والدعاء. ثم قال له مشيرا إلى أصغر الأخوة الصالح إسماعيل: "إن هذا له غرام برمي البندق، فهل يجوز له ذلك؟" فقال الشيخ: بل يحرم عليه. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه لأنه يفقأ العين ويكسر العظم ويحرم عليه" والبندق كور صغيرة من الرصاص أو الحجر تستعمل في الصيد.
    وعاد الملك الكامل إلى القاهرة، ومرض الملك الأشرف، فأناب عنه ولي عهده الصالح إسماعيل. وكان الشيخ عز الدين كما تعود من قبل لا يغشى مجالس السلطان ولا يزوره، ولكنه عاده في المرض، فبلغ التأثر من نفس السلطان أعظم مبلغ حتى بكى، وسأل الشيخ أن يعفوا عنه لما فرط منه في حقه، فدعا له الشيخ وأمر السلطان وأمر ولي عهده الصالح إسماعيل ألا يستفتي غير الشيخ عز الدين وأن يستهدي بآرائه.
    غير أن الصالح إسماعيل، لم يقرب الشيخ ولم يدعه إليه .. ففتيا الشيخ بتحريم الرمي بالبندق آلمته!
    على أنه أهدر هذه الفتيا منذ أصبح سلطانا، وجمع حوله خصوم الشيخ من الأراذل والبلداء الذين ينتحلون الفقه الحنبلي ويشوهونه!
    وأقصى الصالح إسماعيل عنه الفضلاء من العلماء الحنابلة، وانصرف إلى اللهو، وأعاد ما أبطله أخوه من المنكرات: ففرض على التجار والصناع وأرباب الحرف والفقراء كثيرا من المكوث والضرائب التي كان أخوه الأشرف قد رفعها عنهم!
    وأحاط به النخاسون الكبار وأغنياء تجار الرقيق، فأعاد فتح الحانات والمواخير! وأحيا كل المفاسد والبدع التي كان أخوه الأشرف قد أماتها استجابة لطلب الشيخ عز الدين..!
    وكان الصليبيون الفرنجة والتتار الطامعون في الاستيلاء على أرض العرب قد عرفوا ولع الصالح إسماعيل بالنفائس والتحف الفاخرة والخمر الغالية والجواري الحسان، فطفقوا يقدمون إليه الهدايا النادرة، حتى بادلهم الهدايا ونشأت بينه وبينهم ألفة ومودة .. ولقد دسوا إليه من الجواري الحسان من أصبحن عيونا عليه، فكن لا يبرحن مجالسه في لهو أو جد، ويطلعن على كل أسراره، وهو بهن سعيد!
    وفسد الأمر في دمشق، فأرسل أهل الغيرة فيها يشكون الملك الصالح إسماعيل إلى أخيه الأكبر الملك العادل سلطان مصر. فسار على رأس جيش إلى دمشق، وأبطل المفاسد ورفع المكوس والضرائب الظالمة عن كاهل الصناع وأرباب الحرف والفقراء والتجار، وعين الشيخ العز عز الدين بن عبد العزيز بن عبد السلام قاضيا، صونا للعدل، وحفظا للشريعة، وضمانا لصلاح الأمر وأذعن الأشرف لأمر أخيه الأكبر.
    وكان على الشيخ عز الدين، أن يضع على رأسه اكبر عمامة في الدولة: عمامة قاضي القضاة، صاحب اكبر منصب ونفوذ .. الرجل الذي يلزم بأحكامه كل أولياء الأمر حتى السلطان نفسه!
    ورأى الشيخ عز الدين أن يتحلل من التقاليد، فطرح العمامة كبيرها وصغيرها، ووضع على رأسه طاقية من لباد مصر وهي غطاء الرأس الذي لا يستعمله إلا فقراء الناس في مصر والشام. وكان من قبل عندما عين خطيبا للجامع الأموي قد طرح الرداء الأسود الذي ألف خطباء الجامع ارتداءه، وعدل عن صعود المنبر بالسيف، وعن ترصيع الخطبة بالسجع.
    هاهو ذا الشيخ عز الدين، يجمع كل وسائل النفوذ وأدواته: فهو خطيب الجامع الأموي، وأكبر المفتين، وهو شيخ حلقة، يقنع الناس بوضوح الدليل ونصاعة البرهان وقوة الحجة، ثم هو إلى كل ذلك قاضي القضاة، فعلى رجال الدولة تنفيذ ما يقضي به، وإلا أثموا شرعا، واختل ميزان الأمور، فتهرأت الدولة!
    والشيخ يجد ويصنع الاجتهاد في دروس الفقه والأصول بالزاوية الغزالية في الجامع الأموي، وينشط في قضائه وفتاويه لاستنباط الأحكام من القرآن والسنة وإجماع الصحابة، والقياس الصحيح وتحري مصالح الأمة التي هي مقصد الشريعة، حتى لقد صح الشيخ ابن الحاجب المالكي وهو واحد من أفقه علماء دمشق أن يقول: "لم نعرف منذ الأئمة الأربعة من هو أفقه من الغزالي، إلا الشيخ العز عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام".
    وظل الشيخ عز الدين يعمل على إماتة البدع، وإحياء السنن في كل ما يصدر من أحكام، وما يلقي من دروس وخطب، وما يستجد من فتاوى. وقال: "طوبى لمن ولى أمرا من أمور المسلمين، فأعان على إماتة البدع وإحياء السنن".
    وكان الصالح إسماعيل عندما أحس أن أخاه سيعزله، قد لاذ بالشيخ عز الدين معلنا التوبة، متعهدا بحسن السيرة إن هو بقى على عرش دمشق ومازال بالشيخ يستعطفه ويستشفعه والشيخ يشترط عليه شروطا حتى قبل الشيخ أن يتوسط له، وضمنه الشيخ عن الملك الكامل فأباه سلطان على دمشق.
    ولكنه لم يكد يستقر على العرش حتى عزل الشيخ عز الدين عن منصب قاضي القضاة .. فقد مات الملك الكامل!!..

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 9:32 am